النظر بعيون الآخرين
عملية النظر بعيون الآخرين تجربة رائعة وفذة. حيث يتنقل الانسان بين مواقع إدراك للعديد
من الأشخاص الذين يخالطهم يزداد أثناءها معرفة ودراية بالموقف والحدث.
وتساعد هذه العملية على توسيع الأفق والتخلص من النظرة الأنانية الضيقة. يمكن الاستفادة من عيون الآخرين في حل التحديات التي تواجه الانسان في بيته بين الزوج وزوجه، وبينهما وبين الأبناء. كما يمكن الاستفادة من عيون الآخرين في معالجة المواقف التي تحدث بين الأصدقاء. والسؤال الآن، هل هناك عيون أخرى غير عيون الآخر وعيون المراقب الخبير؟
والجواب : نعم. هناك عيون وعيون وآفاق واسعة متسعة تساعدنا على توسيع إدراكنا ومعرفتنا بلا حدود. إطار الإدراك هذا الذي تمت صياغته عبر أيام وسنين حياتك الماضية وباستخدام وسائل عديدة ابتداءً بتربية الوالدين وانتهاء بوسائل الإعلام المختلفة، مرورا بالمدرسة والتعليم والقراءة وغيرها من الوسائل يمكن توسيعه والتخلص من الأطر التي تحد من قدراته. فتعالوا نتعرف سويا على هذه العيون والعيون والآفاق.
من أصناف العيون : عيون الأب، وعيون الأم، وعيون المحب، وعيون العدو، وعيون الرقيب، وعيون الجاسوس، وعيون الشرطة ... ومن أصناف الآفاق : أفق الأسرة، وأفق القبيلة، وأفق المؤسسة أو الشركة، وأفق الوطن، وأفق الأمة، وأفق الإنسانية، وأفق المستقبل القريب ، وأفق المستقبل البعيد، وافق الماضي القريب، وأفق الماضي السحيق... وغيرها أمثلة متعددة للعديد من العيون والآفاق التي لو نظر من خلالها الإنسان وتأمل وتنقل بينها لوجد اختلافا كثيرا عما يراه بعينيه هو فقط. فبالنظر بعيون الأب المشفق الرحيم الراجي مصلحة ابنه أو ابنته. نرى بهذه العيون ضرورة استخدام الشدة واللين في تربية الأبناء. فنظرة المشفق الرحيم تدعو لاستخدام اللين، ونظرة الأب الباحث عن مصلحة أبنائه الذي يريد إعدادهم لمواجهة التحديات في المستقبل تستدعي استخدام الشدة أحيانا. وبالنظر بعيون الأب مثلا في موقف بين مدير وموظفه، يستطيع المدير أن يحدد متى يلين مع موظفه الذي يراه مثل ابنه؟ ومتى ينبغي أن يشتد عليه ليصلح حاله ويصبح جديرا بالعمل الموكل إليه؟
وبالنظر بعيون الأب كذلك في موقف بين الزوج وزوجه، يضع الرجل نفسه مكان أبو زوجه وينظر إليها بنظر الإبنة التي تحتاج إلى التوجيه والرعاية والصبر. أما عيون الأم فإنه يغلب عليها الحب والحنان والشفقة ولا تلجأ إلى الشدة والعنف إلا نادرا. وهذه فطرة فطر الله عليها الأمهات. والأم لا ترى في ابنها أو ابنتها إلا الحسن، وكما يقول المثل الشعبي السائر : القرد في عيون أمه غزال. ولعل الأب يحتاج أحيانا أن ينظر بعيون الأم في المواقف مع ابنائه التي يجد فيها زوجه تقف حائلا بينه وبين تربية أبنائه ليراعي مشاعرها ويحقق ما يرجوه من حسن تربية لأبنائه. أما عيون المحب وعيون العدو فإنهما متناقضتان متغايرتان تماما. وهذا مصداق قول الشاعر : وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا وكما هو مفهوم من المثل السائر : اللي نحبه نبلع له الزلط، واللي نكرهه نقعد له على الغلط . فعيون العدو دائما تترصد الأخطاء والمساوئ مهما صغرت، بينما عين المحب تتغافل وتتشاغل عن العيوب ولا ترى إلا المحاسن. ويحسن بنا أن نستخدم عيون المحب في خلافاتنا مع الآخرين حتى لا نكتفي بتقصي مواطن المساوئ. فالأب لا يغفل عن محاسن ولده عندما يبدر منه سلوك سئ. ولا ينسى محاسن زوجه إذا ما شجر بينهما خلاف.
أما أفق الشركة والمؤسسة فمجال عمله في الخلافات التي تدور في العمل. وفي هذه الحالة يكون توسيع إطار الأفق بالتساؤل حول أثر هذا الموقف على المؤسسة أو الشركة. فلو أن مثل هذه الخلافات تتكرر بين الموظفين ، فكيف سيصبح العمل؟ وما هو أثر هذه الخلافات على مستوى الإنتاجية؟ وما هو أثرها على المسار الوظيفي للموظف نفسه؟ ويمكن أن نرى هنا أثر تداخل الآفاق المختلفة بسؤال : ما هو أثر الخلاف في المؤسسة أو الشركة على الأسرة؟ وأفق الأسرة يمكن الاستفادة منه في حال المواقف التي يكون أطرافها من الأسرة. الأب والأم والأبناء والأجداد وغيرهم. فبالنظر بعيون الأسرة نقوم بتقييم الموقف من وجهة نظر الأسرة الكبيرة، ما هو تأثير هذا الموقف على الأسرة؟ وكيف سيتأثر باقي أفرادها؟ ومن من أفراد الأسرة يمكن أن يساعد في حل هذا الخلاف؟ ويمكن أن ندخل هنا أفقا آخر بالتساؤل حول تأثير مثل هذا الموقف على الشركة أو المؤسسة أو الأمة؟ وبانظر باستخدام أفق الأسرة ولكن من زاوية أخرى نتسائل : ما مدى أهمية هذا الخلاف بالنظر إلى تاريخ الأسرة العريق؟ هل يستحق مثل هذا الخلاف التوقف عنده كل هذا الوقت؟ أم أنه خلاف طارئ ولا تلبث المياه أن تعود إلى مجاريها؟ أما أفق الوطن فإنه أوسع من جميع الآفاق السابق ذكرها. فبالنظر من خلال أفق الوطن تصبح الرؤية مختلفة تماما. فالسؤال الأول في هذا الإطار : ما هو أثر هذا الخلاف على الوطن؟ ما قيمة هذا الخلاف أمام مصالح الوطن العليا؟ إن مثل هذه الأسئلة تبين لنا كم هي تافهة بعض خلافاتنا ولا تستحق التوقف عندها. أما أفق الأمة فهو أوسع من جميع الآفاق السابق ذكرها وأكثر شمولا. وعند التأمل من خلال هذا الأفق يكون التساؤل : ما هو تأثير هذا الموقف والحدث على الأمة؟ ولو حدث مثل هذا في كل أسرة، فما هو مصير الأمة؟ فمثلا لو كان الحدث الذي نتحدث عنه، خلاف بين الزوج وزوجه أوصل الزوج إلى التفكير في الطلاق. فما هو جواب كل من الأسئلة السابقة؟ وما دور الأمة في إصلاح مثل هذه المشكلات؟ وهل يبقى لهذا الخلاف قيمة إذا ما تعارض مع مصالح الأمة؟ تخيل معي كم هي واسعة هذه الأرجاء التي نتجول فيها! فبعد أن كان الحديث عن خلاف شخصي بين فردين، كيف أصبح النظر إليه بعد توسيع الآفاق بهذه الطريقة؟ يحضرني في هذا السياق قصة تولي محمد الفاتح ( رحمه الله ) الخلافة بعد وفاة أبيه، وكيف ثارت المشاكل في بداية عهده. وكان الناس يسعون نحو مصالحهم الشخصية. فمنهم من يطمح في منصب ومنهم من يطمح في الولاية ومنهم من شغله السعي نحو المجد الشخصي عن مصالح الأمة.
وقد تناسى كل هؤلاء أغراضهم وحاجاتهم الشخصية لما دعاهم الخليفة للعمل من أجل مصلحة الأمة والعمل لفتح القسطنطينية. فما كان ذلك النصر أن يتحقق لولا تضحية الناس بمصالحهم في سبيل مصلحة الأمة. أما أفق الزمان والمكان فنتسائل من خلاله عن قيمة هذا الخلاف بعد مضي عشر سنوات على سبيل المثال؟ ما هو رأيك في هذا الموقف عندما تبلغ السبعين من العمر؟ ما هو رأيك الآن في هذا الخلاف؟ وكيف يمكن تجاوزه بالنظر في هذه الأطر الواسعة الأرجاء؟ عيون وعيون وآفاق رحبة فسيحة تدعونا لتقبلها واستيعابها. . . فهل أنت مستعد للعمل؟ بالتأكيد نعم. وهذا هو المتوقع منك دائما. فإلى العمل، توكل على الله ولا تعجز. وتذكر دائما أن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا
[i][b]
الأحد مارس 27, 2016 12:16 pm من طرف Admin
» طُــــرفَــــه
الإثنين ديسمبر 16, 2013 11:54 am من طرف نادر محمدنور
» من استغفارات الامامحسن البوصيري
الإثنين نوفمبر 25, 2013 12:44 pm من طرف الشيخ الصديق
» عرس الزين روايه للكاتب الطيب صالح
الجمعة نوفمبر 22, 2013 2:10 pm من طرف Admin
» ::: منتصر هلاليه ::: المـريـــــوده::::
الإثنين نوفمبر 18, 2013 10:04 am من طرف نادر محمدنور
» اجمل حكمة عن المراة
السبت نوفمبر 16, 2013 1:45 pm من طرف نادر محمدنور
» كرامات سيدي الشيخ عبدالقادر
السبت نوفمبر 16, 2013 12:25 pm من طرف الشيخ الصديق
» الطريقة القادرية
السبت نوفمبر 16, 2013 11:49 am من طرف الشيخ الصديق
» فــــــــــن الانصـــــــــات
الخميس نوفمبر 14, 2013 1:10 pm من طرف نادر محمدنور